الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
في إطار النقلة النوعية للتعليم العالي والدعم غير المحدود من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله تأسست جامعة حائل عام 1426هـ . وهي تسعى لتكون ضمن الجامعات السعودية المرموقة، وتواصل خطواتها الواسعة نحو تحقيق الريادة والوصول إلى العالمية بما تقدمه من برامج أكاديمية، وبحثية متميزة لخدمة المجتمع المحلي في بعديه الوطني والدولي.
وتحظى الجامعة بكريم الدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة حائل – حفظه الله - في إطار تواصلها مع هيئات المجتمع المحلي ومؤسساته للتكامل في أداء الدور الحضاري للجامعة والوفاء بمتطلبات التنمية و الرقي ، كما تلقى الجامعة عناية صاحب المعالي وزير التعليم لعالي الأستاذ الدكتور: خالد بن محمد العنقري ومتابعة خططها وبرامجها النوعية . وتحرص إدارة الجامعة على التطوير المستمر لبرامج البحث العلمي وتفعيل خططه واستراتيجياته بمتابعة وتوجيه صاحب المعالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور: خليل بن إبراهيم البراهيم، وتحت إشراف وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي ممثلة بسعادة الأستاذ الدكتور : عثمان بن صالح العامر .
ولقد حققت الجامعة خطوات رائدة في مجال تعزيز منظومة البحث العلمي من خلال برنامج الأبحاث الممولة التي أوشك أن تؤتي ثمارها في العديد من المجالات العلمية وتطبيقاتها التي تخدم قضايا المجتمع المحلي والبيئة المحيطة وفاءاً بمتطلباتها التنموية، وكذلك برنامج كراسي البحث الهادفة إلى دعم مسيرة البحث والدراسات العلمية ، وأيضا أبحاث أعضاء هيئة التدريس والرسائل العلمية لطلبة الجامعة والمراكز البحثية ذات التخصصات النوعية، ومعهد البحوث والخدمات الاستشارية بالجامعة.
وتمثل تلك البرامج مؤشرات تؤكد توافر مقومات البنية الأكاديمية والخبرة البحثية لمنظومة البحث العلمي في الجامعة وما يلزمها من مساندة لكل المكونات مما يجعل الجامعة تتطلع إلى تأسيس كيان بحثي رائد يتمثل في كرسي الدكتور : ناصر بن إبراهيم الرشيد لدراسات حائل.
ولقد كان السبب في تخصيص كرسي بحثي في دراسات منطقة حائل هو أن الكيان الوطني يرتكز وفق ما هو مستقر في دساتير الفكر الإنساني وفي أصول وقواعد الحضارات وتطور العمران البشري التي أجمعت عليها فلسفة العلوم الإنسانية والطبيعية وأكدتها شواهد التاريخ ودلالات الواقع الحديث والمعاصر - يرتكز أي كيان وطني على ركيزتين تمثلان قاعدتين لبناء الأوطان وهما: المكان والإنسان . وبتفاعل الإنسان مع المكان يصنع تاريخاً موثقاً لوطنه وحضارته بأبعادها الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تسطرها القيادة في مشروعات النهضة الحضارية والوطنية المتتالية والمتوازية لتحقق للدولة المكانة التي يتطلع إليها في السباق التنافسي الذي يعتبر السمة الدائمة في مسيرة المجتمعات البشرية المعاصرة . فالمكان بما يمثله من معان جغرافية عديدة، وما يتسم به من خصائص، وما يشمله من مكونات، وما يحتويه من آثار، وما يملكه من تراث وما يتوافر فيه من ثروات، وما يسوده من مناخ، وما يتيحه من فرص، وما يواجهه من تحديات، يعد الركيزة الأساسية الأولى في بنية الوطن ومؤثر فاعل في أنماط التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية. والإنسان هو المقوم الرئيس في الوجود الجغرافي بحاضره ومستقبله ويمثل المورد المتجدد بوصفه القوة الأساسية للبقاء والنماء. وعليه فإن بناء الإنسان وتأكيد قيمة المكان مصدران متجددان لتكوين العاطفة الوطنية، وترسيخ الاتجاهات، وصياغة الوعي وتشكيل الصورة الذهنية للأجيال المتعاقبة ولاءً وانتماءً، وطنية ومواطنة ويشهد على ذلك ما أكدته أصول اللغة العربية وعلم المعاني من أن الوطن هو المنزل الذي يقيم فيه (موطن الإنسان ومحله) وطن يطن وطنا: أقام به. وجمع الوطن أوطان : منزل إقامة الإنسان ، وتوطنت نفسه على الأمر : حملت عليه مواطنة: مصدر الفعل واطن بمعنى شارك في المكان إقامة ومولداً لأن الفعل على وزن فاعل ، وورد في الاصطلاح معنى الوطنية بمعنى حب الوطن في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية .
ويؤكد نفس المعنى أن التأثير والتأثر أو التفاعل والتفعيل ظاهرة طبيعية ومحكاً حاكما ليس فقط في ميدان الاقتباسات المتبادلة بين الحضارات بل في إطار المواطنة التي تجمع بين الإنسان وآماله والمكان وأحواله ، إذ يشهد واقع المجتمعات بما لا يدع مجالاً للشك تأثير المكان في الإنسان، وتفعيل الفكر الإنساني للمكان مما ينتج تركيبة مبدعة تتوافق وتتلازم مع أحدث ما أنتجته البشرية من المفاهيم الوطنية على تنوع مشاربها وتعدد منابعها وتطور رؤاها وطموحاتها وفق سياق وطني عام يضبط مسارات حركتها ويصوب طاقاتها لبلوغ غاياتها.
وإذا كان حب الوطن غريزة لدى كل شعوب الأرض فإن ثمة روابط خاصة تجمع بين الإنسان والمكان ، وتعمل هذه الروابط عملها في تأكيد المعاني وتعزيز الاتجاهات، وتقوية أواصر الرباط الوطني ، وحبه، وتغليب مصلحته، والتضحية من أجله، والفخر والاعتزاز به ، إلا أن هذه المعاني والاتجاهات لا توجد بالطبع أو السليقة ، ولا تحدث صدفة أو اعتباطا ولا تمنح منحاً من مصادر خارجية ، بل تكتسب بمقدار ما تبذله مؤسسات المجتمع من أجلها على مسارات المعرفة التي تحقق الارتباط العضوي بين الإنسان والمكان والعاطفة التي تحقق الترابط والتماسك الاجتماعي بحاضر ومستقبله والعقيدة التي تجمع وتخلط بين المكونات النفسية والثقافية والمنجزات والمعاني الوطنية.